للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[نبذة في تاريخ علوم البيان]

١- الحاجة إلى وضع قواعدها:

أ- اشتعلت نار الجدل صدر الدولة العباسية حتى اندلع لهيبها وتطاير شررها إلى جميع أنحاء البلاد الإسلامية, ردحا من الزمن غير قليل بين أئمة الأدب وأرباب المقالات من علماء الكلام في بيان وجه إعجاز القرآن، واختلفوا في ذلك طرائق قددا، وتفرقوا أيدي سبا، وتعددت نزعاتهم، وتضاربت مذاهبهم وآراؤهم كما هو مسطور في زبر المتكلمين كالمواقف لعضد الدولة، والمقاصد لسعد الدين التفتازاني.

وكان الرأي الآفن من بين هذه الآراء وأبعدها عن الصواب، رأي إبراهيم النظام صاحب المذهب الذي ينسب إليه "مذهب الصرفة" إذ قال: إن القرآن ليس معجزا بفصاحته وبلاغته، وإن العرب كانوا قادرين على أن يأتوا بمثله، لكن الله صرفهم عن ذلك تصديقا لنبيه، وتأييدا لرسوله حتى يؤدي رسالات ربه، فانبرى المبرد عليه جم غفير من العلماء من بينهم الجاحظ والباقلاني، وإمام الحرمين، والفخر الرازي، وناضلوا نضالهم المحمود الذي خلد لهم في بطون الأسفار فكتبوا الفصول الممتعة مبينين خطل رأيه وفساد مذهبه، بما أملته عليهم قرائحهم الوقادة، وأفكارهم النقادة، حتى لم يبق في القوس منزع، ولا زيادة لمستزيد.

ب- كذلك قامت سوق نافقة للحجاج والمناظرة، بين أئمة اللغة والنحو أنصار الشعر الجاهلي، الذين رأوا أن الخير كل الخير في المحافظة على أساليب العرب وأوضاعها، والأباء والشعراء أنصار الشعر المحدث الذين لم يحفلوا بما درج عليه أسلافهم من العرب، ورأوا أنهم في حل من كل قديم، لا يشاكل بيئة

<<  <   >  >>