للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لإضمار في مقام الإظهار، وذلك في موضعين.

١- باب ضمير الشأن والقصة، ويكون مرفوعا نحو: هي الدولة استعدت، وهو الحق حصحص، ومنصوبا نحو: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} ١ وسر هذا الأسلوب المبالغة وتعظيم تلك القصة وتفخيمها، من قبل أن الشيء إذا كان مبهما كانت النفوس متشوقة إلى فهمه، متطلعة إلى علمه، فإذا وضح وفسر حل محلا رفيع القدر لديها، ومن ثمة لا يكون إلا في المواضع التي يقصد فيها التهويل.

٢- باب نعم وبئس، نحو: نعم رجلا محمد، وبئس غلاما سعيد، وانتصاب ما بعدهما من النكرات يجيء على جهة التفسير، والداعي إليه المبالغة في المدح أو الذم، من حيث إنه عند الإبهام يكون للأفئدة تطلع إلى إيضاح المبهم وشغف إلى بيانه.

الإظهار في مقام الإضمار، فإن كان المظهر اسم إشارة كان:

١- إما لكمال العناية به لأجل اختصاصه بحكم غريب، كقول ابن الراوندي٢:

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا٣

فأتى باسم الإشارة لأجل الحكم البديع الذي اختص به المشار إليه وهو تركه الأوهام حائرة وتصييره العالم التحرير زنديقا.

٢- وإما للتهكم بالسامع، كما إذا كان فاقد الصبر، فتقول له: هذا الهلال بين السحاب.

٣- وإما لإظهار بلاهته، كأن غير المحسوس عنده محسوس، نحو: فجئني بمثلهم.


١ سورة الحج الآية: ٤٦.
٢ هو أحمد بن يحيى الراوندي المتوفى سنة ٢٩١هـ، اتهم بالزندقة ونسب إليه أنه عارض القرآن، وأتى بما تضحك منه الثكلى.
٣ أعيت أعجزت، ومذاهبه وسائل عيشه، والزنديق من يبطن الكفر ويظهر الإسلام، واسم الإشارة يعود إلى الحكم السابق وهو حرمان العاقل ورزق الجاهل.

<<  <   >  >>