للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الخامس: في الفصل

من حق الجمل إذا ترادفت ووقع بعضها في إثر بعض أن تربط بالواو لتكون متسقة منتظمة، وقد يعرض لها ما يوجب ترك الواو، ويسمى ذلك فصلا، ويكون في خمس أحوال:

١- كمال الاتصال، وهو أن يكون بين الجملتين اتحاد تام وامتزاج معنوي، حتى كأنهما أفرغا في قالب واحد، وهذا يكون في:

أ- باب التوكيد، لزيادة التقرير، أو لدفع توهم تجوز أو غلط، سواء أكان تأكيدا لفظيا، نحو: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} ١ أم تأكيدا معنويا نحو: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} ٢، فإنه إذا كان ملكا لم يكن بشرا، فإثبات كونه ملكا تأكيد وتحقيق لنفي كونه بشرا. وعليه قول الشاعر:

إنما الدنيا فناء ... ليس للدنيا ثبوت

ب- باب البدل والمقتضي له كون الثانية أوفى بالمطلوب من الأولى والمقام يستدعي عناية بشأن المراد سواء أكان بدل كل نحو: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ، قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا} ٣ أم بدل بعض نحو: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} ٤ أبدلت الثانية من الأولى تنبيها إلى نعم الله على عباده وهي أوفى مما قبلها لدلالتها عل المراد مع التفصيل من غير إحالة على علم المخاطبين لعنادهم واستكبارهم، أم بدل اشتمال نحو: {اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} ٥ أبدلت الثانية من الأولى بدل اشتمال؛ لأنها أبين في المراد وهو حمل المخاطبين على اتباع الرسل٦، وعليه قول الشاعر:

أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسلما٧

فسياق الحديث في إظهار كراهته إقامته؛ لأنه يسر غير ما يعلن، وجملة لا تقيمن أدل على هذ الغرض ولا سيما مع التأكيد بالنون.

جـ- باب عطف البيان، والداعي إليه خفاء الأولى، والمقام يستدعي إزالة


١ سورة الطارق الآية: ١٧.
٢ سورة يوسف الآية: ٣١.
٣ سورة المؤمنون الآية: ٨٢.
٤ سورة الشعراء الآيتان: ١٣٢ و١٣٣.
٥ سورة يس الآيتان: ٢٠ و٢١.
٦ إذ مفادها إأنكم لا تخسرون معهم شيئا من دنياكم وتربحون صحة دينكم وينتظم لكم خيرا الدنيا والآخرة.
٧ يطلب منه الرحلة؛ لأن باطنه ليس كظاهره؛ لأنه يتناول أعراضهم.

<<  <   >  >>