للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإعجاز، ويظهر مقدار التفاوت في صنعة الكلام، وذلك كقوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} ١، أي: فضربوه بها فحيي، فقلنا: كذلك يحيى الله الموتى، وقوله تعالى: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ، يُوسُفُ} ٢، أي: فأرسلوني إلى يوسف لأستعيره الرؤيا فأرسلوه إليه فأتاه وقال: يا يوسف، وقوله: {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} أي: فأتياهم فأبلغاهم الرسالة فكذبوهما فدمرناهم تدميرا.

والحذف على وجهين:

١- ألا يقام شيء مقام المحذوف كما تقدم.

٢- أن يقام مقامه ما يدل عليه كقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} ٣، أي: فلا لوم علي لأني قد أبلغتكم.

وأدلة الحذف كثيرة، منها:

أ- العقل الدال على المحذوف، والمقصود الأظهر، الدال على تعيينه كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ٤ الآية، فالعقل يدل على أن الحرمة إنما تتعلق بالأفعال لا بالذوات، والذي يتبادر قصده من مثل هذه الأشياء إنما هو التناول الذي يعم الأكل والشرب.

ب- العقل الدال عليهما معا، كقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكُ} أي: أمره، أو عذابه.

ويرى صاحب "الكشاف" أن هذا ليس من باب الحذف وإنما هو تمثيل لظهور قدرته وتبيين لسلطانه وقهره، فمثلت حاله في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره ووزرائه وخواصه على بكرة أبيهم.

جـ- العقل الدال على المحذوف والعادة الدالة على تعيينه، كقوله تعالى:


١ سورة البقرة الآية: ٧٣.
٢ سورة يوسف الآية: ٤٥.
٣ سورة هود الآية: ٥٧.
٤ سورة المائدة: ٣.

<<  <   >  >>