وذلك أنه لما رأى استمرار وصف الأخلاق بالضيق وبالسعة، تعمد تشبيه الأرض الواسعة بخلق الكريم بادعاء أنه في السعة أكمل من الأرض المتباعدة الأطراف، وقولهتعالى حكاية عن مستحلي الربا:{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} ، إذ مقتضى الظاهر أن يقال: إنما الربا مثل البيع، لكنهم خالفوا ذلك ذهابا منهم إلى جعل الربا في الحل أقوى حالا من البيع.
ومنه قول البحتري:
في طلعة البدر شيء من محاسنها ... وللقضيب نصيب من تئنيها
وقوله في وصف بركة المتوكل:
كأنها حين لجت في تدفقها ... يد الخليفة لما سال واديها
وكل هذا إذا أريد إلحاق الناقص في وجه الشبه حقيقة، أو ادعاء بالزائد فيه فإن أريد مجرد الجمع بين شيئين في أمر جاز التشبيه، ولكن الأحسن تركه والعدول إلى التشابه ليكون كل من الطرفين مشبها ومشبها به احترازا من ترجيح أحد المتساويين على الآخر، كما فعل أبو إسحاق الصابي في قوله:
تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي ... فمن مثل ما في الكاس عيني تسكب
فوالله ما أدري أبالخمر أسلبت ... جفوني أم من عبرتي كنت أشرب١
ويجوز التشبيه أيضا كتشبيههم غرة الفرس بالصبح وعكسه متى أريد ظهور منير في مظلم أكثر منه، من غير قصد، إلى المبالغة في وصف الغرة بالضياء وفرط التلألؤ، ونحو ذلك، وتشبيه الشمس بالمرآة المجلوة، أو الدينار الخارج من السكة، كما قال ابن المعتز:
وكأن الشمس المنيرة دينا ... ر جلته حدائد الضراب
وعكسه متى أريد استدارة متلألئ متضمن لخصوص في اللون، وإن عظم التفاوت بين نور الشمس ونور المرآة، والدينار وبين الجرمين، إذ ليس شيء من ذلك بمنظور إليه في التشبيه.