للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلما كان عمل الخيال أكثر، كانت صورته أعجب، والنفس به أطرب، ولن نجد تلك الروعة وذاك الجمال في تشبيه المحسوسات بعضها ببعض، فتشبيه ابن المعتز للشمس بالدرهم المضروب في قوله:

وكأن الشمس المنيرة دينا ... ر جلته حدائد الضراب

وللهلال بالزورق من الفضة التي حمولته من عنبر في قوله:

فانظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر

أقل جمالا من ذاك الذي تقدم، وليس له في النفس أريحية، ولا تأخذها منه هزة، والتشبيهات المستعملة، في العلوم والفنون، ما هي إلا وسيلة من وسائل الإيضاح لكشف ما يخفى من الحقائق.

قال صاحب "الصناعتين": والطريق المسلوكة والمنهج القاصد في التمثيل عند القدماء والمحدثين, تشبيه الجواد بالبحر والمطر، والشجاع بالأسد، والحسن بالشمس والقمر، والسهم الماضي بالسيف، والعالي الرتبة بالنجم، والحليم الرزين بالجبل، والقاسي بالحديد والصخر، والبليد بالجماد، واللئيم بالكلب.

وشهر قوة بخصال محمودة، فصاروا فيها أعلاما، فجروا مجرى ما قدمناه كالسموءل١ في الوفاء، وحاتم في السخاء، والأحنف٢ في الحلم، وسحبان في البلاغة، وقس٣ في الخطابة، ولقمان٤ في الحكمة.

وآخرون بأضدادها فشبه بهم في حال الذم، كباقل٥ في العي، وهنقة٦ في الحق، والكسعي٧ في الندم، ومادر٨ في البخل.

يوجد صورة سكانر


١ هو ابن حبان اليهودي.
٢ من سادات التابعين.
٣ هو قس بن ساعدة الإيادي خطيب العرب.
٤ هو حكيم اشتهر بأصالة الرأي في القول والعمل.
٥ اشتهر بالعي وعدم الإبانة عن مراده.
٦ هو يزيد بن ثروان من قيس.
٧ هو غامد بن الحرث.
٨ مخارق الهلالي سقى إبله فبقي في الحوض قليل فسلح فيه ومدر الحوض به.

<<  <   >  >>