للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لولا الرجاء لمت من ألم النوى ... لكن قلبي بالرجاء موكل

إن الرعية لم تزل في سيرة ... عمرية منذ ساسها المتوكل

ومن الاقتضاب ما هو شبيه بالتخلص كما يقول القائلي بعد حمد الله، أما بعد فكذا، وكقوله تعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} ١، أي: هذا كما ذكر، وقول المؤلف: هذا باب، هذا فصل.

٣- الانتهاء: الاختتام، هو أن يختم المتكلم كلامه بأحسن الخواتم، إذ هي آخر ما يبقى منه في الأسماع، وربما حفظت من بين سائر الكلام لقرب العهد بها فوجب أن تكون غاية في الجودة وألا يكون سبيل للزيادة عليها، ولا لأن يؤتي بعدها بأحسن منها في رشاقتها وحلاوتها وقوتها وجزالتها، مع تضمنها معنى تاما يؤذن السامع بأنه الغاية والمقصد والنهاية، فإن دل على ما يشعر بالانتهاء سمي براعة مقطع.

ولقد ختم الله تعالى كل سورة من سور القرآن الكريم بأحسن ختام، وأتمها بما يطابق مقصدها من أدعية أو وعد أو وعيد أو موعظة أو تحميد إلى غير ذلك من الخواتم الرائعة.

وقد أجاد سلوك هذا الطريق المتأخرون، كأبي نواس وأبي تمام والبحتري، ولا سيما المتنبي، فإنه أتى فيه بالعجب العجاب، فمن ذلك قول أبي نواس في المأمون:

فبقيت للعلم الذي تهدي له ... وتقاعست عن يومك الأيام

فانظر كيف تضمنت هذه الخاتمة الدعاء بالبقاء مع المدح والإعظام، وقول أبي تمام:

فما من ندي إلا إليك محله ... ولا رفعة إلا إليك تسير

وقول ثالث:

فلا حطت لك الهيجاء سرجا ... ولا ذاقت لك الدنيا فراقا

وقول الأرجاني:

بقيت ولا أبقى لك الدهر كاشحا ... فإنك في هذا الزمان فريد

وقول ابن حجة في بديعيته:

عليك سلام نشره كلما بدا ... به يتغالى الطيب والمسك يختم


١ سورة ص الآية: ٥.

<<  <   >  >>