للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلالها بفكره الثاقب، ونظره البعيد، وأيقنَّا من شروحه لمفرداتها أنه حفظها من "الجمهرة" في لوح قلبه، أو من كتاب آخر نقل منه صاحب الجمهرة، حفظه ابن جني وضيعناه، ولا يبعد أن يكون معجم "العين" نفسه أو واحدًا من تلك المعاجم القديمة الأُوَل.

وقبل أن نُقِرَّ لابن جني بحدَّة الذكاء، وخصب الخيال، لدى استنتاجه الرابط المشترك بين تقاليب هذه المادة، نرى لزامًا علينا أن نعترف له بمقدرة الساحر الذي يظهر لك شيئًا بينما يخفي أشياء، ولكن براعته وخفة يده تبهران بصرك، فلا أنت تتبعه فيما أظهره، ولا أنت تلاحقه فيما أخفاه!

لقد جمع ابن جني تقاليب هذه المادة وما علم أنه متصرف منها، فأهمل بلطف ورشاقة ما لم ينسجم مع المعنى العام الذي استنبطه، وسدَّ الثغرات فيما كان عليه شيء من الغموض، وأسهب العبارة وأطال النفس فيما بدا له متناسقًا مع المعنى الذي غاص عليه. وإذا هو يرى أن تقاليب "ج ب ر" إن وقعت، فهي للقوة والشدة١.

أ- منها "جبرت" العظم والفقير: إذا قويتهما وشددت منهما، و"الجبر" الملك لقوته وتقويته لغيره.

ب- ومنها "رجل مجرب" إذا جربته الأمور ونَجَدَتْه، فقويت مُنّته واشتدت شكيمته, ومنه "الجراب" لأنه يحفظ مال فيه، وإذا حفظ الشيء ورُوعِيَ اشتد وقوي، وإذا أغفل وأهمل تساقط ورَدِيَ.

ج- ومنها "الأبجر والبجرة" وهو القوي السُّرّة، ومنه قول علي -رضي الله عنه: "إلى الله أشكو عُجَري وبُجَري" تأويله: همومي وأحزاني٢.


١ الخصائص ١/ ٥٢٧-٥٢٨.
٢ وهو هنا يفرق -كما فرّق ابن دريد- بين العجرة والبجرة.

<<  <   >  >>