للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وربما لا يكون في هذه الأمثلة تعسف في التطبيق وإيغالٌ في التعليل، ولكن التعسف يظهر أشد ما يكون بعدًا عن المنطق في مثل قول ابن جني: "نعم وتجاوزوا ذلك إلى أن ضارعوا بالأصول الثلاثة الفاء والعين واللام، فقالوا: عصر الشيء، وقالوا: أزاله إذا حبسه، والعصر ضرب من الحبس، وذلك من "ع ص ر", وهذا من "أزل" والعين أخت الهمزة، والصاد أخت الزاي, والراء أخت اللام، وقالوا: الأزم: المنع، والعصب: الشد، فالمعنيان متقاربان، والهمزة أخت العين، والزاي أخت الصاد، والميم أخت الباء، وذاك من "أز م", وهذا من "ع ص ب", وقالوا: السلب والصرف، وإذا سلب الشيء فقد صرف عن وجهه، فذاك من " س ل ب", وهذا من "ص ر ف", والسين أخت الصاد، واللام أخت الراء، والباء أخت الفاء، قالوا: الغدر كما قالوا: الخَتْل، والمعنيان متقاربان, واللفظان متراسلان، فذاك من "غ د ر" وهذا من "خ ت ل" فالغين أخت الخاء، والدال أخت التاء، والراء أخت اللام، وقالوا: زأر, كما قالوا: سعل، لتقارب اللفظ والمعنى.... إلخ"١

وإذا كان الاشتقاق الكبير يقوم على القلب، فمن الواضح أن الاشتقاق الأكبر يقوم على الإبدال، ولقد أدرك لغويو العرب إمكان وقوع الإبدال مثلما تصوروا إمكان وقوع القلب، وأنشئوا يلتمسون الشواهد على تماثل المعنى بين الصورتين المبدلة والمبدل منها، وانطلقوا يؤكدون أن "من سنن العرب إبدال الحروف وإقامة بعضها مقام بعض، ويقولون: مدحه ومدهه، وفرس رفل ورفن، وهو ثكير مشهور قد ألَّفَ فيه العلماء"٢.

وإن أدنى ملابسة لتكفي ليربط القدماء بين الصورتين، إذا بدل لهم أنهما اشتركتا في معنى متقارب، مع أن كثيرًا من هذا التقارب لا يزيد


١ المصدر نفسه ١/ ٥٤١.
٢ الصاحبي ١٧٣.

<<  <   >  >>