وبين هذه العلاقات ما يبدو منطقيًّا مقبولًا، كما في حال التجانس, فقد لوحظ فيها الأمر الأهم، وهو اتفاق المخرج، أما اختلاف الصفة فليس بذي بالٍ؛ لأن المعوّل في معرفة نوع الصوت ودرجة إيقاعه على العضو الذي خرج منه من بين أعضاء جهاز النطق، وليس على الطريقة أو الكيفية التي تَمَّ بها انطلاق هذا الصوت، فالدال والتاء حرفان نطيعان، كلاهما يخرج من سقف غار الحنك الأعلى, المسمى بـ"النطع", فهما إذًا متجانسان، وعلى هذا المعوّل، فلا ضير بعد هذا أن توصف الطاء بالإطباق والاستعلاء، وهما صفتان قويتان، بينما توصف الدال بالصفتين المضادتين الضعيفتين: الانفتاح والاستفال.
لكن بين هذه العلاقات المسوغة للإبدال ما لا يبدو منطقيًّا قط، بل يمكن القول فيه: إنه مضطرب تارةً، متناقض تارةً أخرى.
والاضطراب واضح في بعض حالات "التقارب"، حين يلحظ في هذا "التقارب" مفهوم التباعد, فإن لم يكن لنا مأخذ على الحالين الأولين من حالات التقارب, حين يتقارب الحرفان مخرجًا ويتحدان صفة، وحين يتقاربان مخرجًا وصفة، ليكوننَّ مأخذنا الأول على الحال الثالثة التي يتقارب فيها الحرفان مخرجًا، ولكن يتباعدان صفة؛ كالدال والسين، ومأخذنا على هذه الحال ليس بالشديد؛ لأن التباعد لم يكن في "المخرج" المعوّل عليه، بل في الصفة, ثم ليكوننَّ لنا مأخذ أشد على الحال الرابعة التي يتقارب فيها الحرفان صفة، ولكن يتباعدان في الأمر الأهم, وهو المخرج؛ كالشين والسين، فما ندري كيف أدرجوا مفهوم التباعد في مفهوم التقارب, وكيف جمعوا بين النقيضين وسموهما مع ذلك باسم واحد، وكيف طوّعت لهم أنفسهم أن يبدلوا حرفًا بحرف وقد اختلف مخرجاهما, فانطلق كلٌّ منهما من مكانٍ بعيد عن المكان الذي خرج منه الآخر!
أين تذهب إذن تلك القيمة التعبيرية والموحية للحرف العربي؟ وإذا