اكتشفت هذه القيمة في الصوتين "التوأمين" الخارجين من مكان واحد، فأنى تكشف في الصوتين "الغريبين" اللذين خرجا مخرجين متباعدين، ثم أحدثا إيقاعين متباينين؟!
وهذا الاضطراب فيما سموه علاقة "التقارب", ليس شيئًا يذكر إذا قارنه بالتناقض الصريح الذي لا سبيل إلى دفعه فيما سموه علاقة "التباعد"، وعدُّوه -رغم اسمه هذا- من مسوغات الإبدال بين الحروف!
وفي الحالتين اللتين أوضحوهما في علاقة "التباعد" يبدو التناقض صريحًا، وإن كان في الحال الثانية منهما بالغًا أشده، ففي الأولى يتحد الحرفان صفة، لكنهما يتباعدان مخرجًا؛ كالنون والميم، أما في الثانية فيتباعدان في كلا الأمرين: المخرج والصفة؛ كالميم والضاد، فأين مسوّغات الإبدال بعد هذا كله؟ ولم هذا التكلف كله في التماس الحالات النادرة التي لا يكاد العقل يتصور إمكان وقوعها في اللغة الواحدة، والبيئة الواحدة؟
إن لأنصار الاشتقاق الأكبر المولعين بصور الإبدال فيه, أن يدافعوا عن وجهة نظرهم بقولهم: إنهم في قضايا الإبدال ليسوا نقلةً أمناء، تقصوا الأحرف التي أبدل بعضها مكان بعض، فلم يجدوها متجانسة دائمًا، ولا متقاربة دائمًا، بل وقعوا فيها على أحرف محفوظ فيها الإبدال, وهي مع ذلك متباعدة المخارج حينًا، متباعدة الصفات حينًا آخر، فما كانوا ليكتموا ما عرفوه، وما زادوا على أن نقلوا هذا وبينوه, وإن الباحث ليميل إلى تَقَبُّل هذا الدفاع حين يرى طائفة من الشواهد المتضافرة على وقوع الإبدال حقًّا بين الأحرف المتباعدة صفة أو مخرجًا.
ولو تتبعنا مسوغات الإبدال في حروف المعجم العربي على ترتيبها لوجدنا علاقة التقارب أكثر من تلك المسوغات, أما التجانس والتباعد