للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أغرب الاختلاف وأعجبه بين هاتين اللهجتين العربيتين الشماليتين ما يتعلق بتذكير الأسماء وتأنيثها, وقد عقد السيوطي في "المزهر" بابًا لذكر ألفاظ اختلفت فيها لغة الحجاز ولغة تميم, فقال فيه: "أهل الحجاز هي التمر، وهي البر, وهي الشعير, وهي الذهب، وهي البسر، وتميم تذكر هذه كله"١, ونضيف إلى ذلك أن أعضاء جسم الإنسان؛ كالعنق والعضد مونثة عند الحجازين، مذكرة عند التميمين؛ وكذلك الحال في أسماء الأماكن؛ كالطريق والسوق والصراط والسبيل، فبينما تؤنثها الحجاز تذكرها تميم٢. والواقع أن الاختلاف في تذكير هذه الألفاظ وتأنيثها لا يمت إلى المنطق العقلي بصلة، وأن الخيال السامي الخصيب -كما يقول المستشرق ريت Wright- قد خلع على بعض الأشياء الجامدة سمات الأشخاص الحية، فأنث بعضها وذكّر بعضها الآخر تبعًا لتصوره كلًا منها. ونحن نستطيع بمثل هذا التعليل أن نفهم تقسيم المؤنث إلى حقيقي ومجازي؛ ففي المجازي تعبير عن شيء مبهم يتعذر تفسيره، ولكنه وقد أشبه في أذهان الساميين ومعتقدات العرب بوجه خاص ما يكتنف المرأة في سحر وغموض, كان بالتأنيث أجدر منه بالتذكير٣.

وعلينا -في هذا الموطن- أن نذكر بشيء من الإعجاب رأي فنسنك Wwnsinck في كتابه "بعض ظواهر الجنس في اللغات السامية snme aspects gender in Semitic languages" فهو ينفي أن تكون علامات التأنيث؛ كالتاء والألف الممدوة والمقصورة أمارات حقيقية على التأنيث؛ وإنه لينتهي من بحثه إلى أنها ليست أكثر من علامات للمبالغة تفيد التكثير؛ كعلّامة وفهّامة في وصف مذكر، وقتلى وجرحى وشهداء


١ المزهر ٢/ ٢٧٧.
٢ نفسه، والصفحة نفسها.
٣ أسرار اللغة للدكتور إبراهيم أنيس ٩٤.

<<  <   >  >>