للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بزجاجة صفراء ذات أسرة ... قرنت بأزهر في الشمال مفدَّم

فإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم ... ١

أو قول الأعشى:

"وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... إلخ".

والظاهر أن حب الخمرة تغلغل في نفوس عامة العرب وغمرت بحوانيتها أسواقهم, وعكفوا عليها حتى ما يستطيعون لها تركا. وإن الأعشى الشاعر هذا، أراد أن يقصد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة فيسلم، وأشفق مشركو مكة من هذا السلاح أن ينضم للإسلام فصدوه عن وجهه ذاك، وكان أقوى عامل في رده ما أخبروه من أن الإسلام يحرم الخمرة، ولم يكن بالشاعر قدرة على تركها فصرفه ذلك عن قصده وقفل راجعا، فأدركته المنية ولم يكتب له الإيمان٢. وخير ما نستدل به على استفاضتها في أسواقهم, وإدمانهم لها أن الأخباريين يعدون في الجاهلية


١ الهواجر: جمع هاجرة, وهي حر نصف النهار. والمشوف: الإناء المجلو. والمعلم: ما عليه علامة. والأزهر: الأبيض، ويعني به الإبريق. المفدم: ما عليه الفدام, وهي المصفاة.
٢ فكان الظرفاء من الفتيان إذا أرادوا الشراب خرجوا إلى قبره وأدار الساقي عليهم الكأس, وجعل قبر الأعشى أحد الشراب، فكان إذا بلغه أراق الكأس عليه يصبون الخمر على قبره, إذ قال لما أخبره أبو سفيان بأن محمدا يحرم عليه الخمر: "أرجع إلى اليمامة فأشبع من الخمر". انظر الأغاني ٩/ ١٢٧.

<<  <   >  >>