وأشد ما يثير الاستغراب، هذا الشبه الكبير بين عكاظ ومعارض هذا العصر، بل إن عكاظ لأوسع مدى فيما يعرض؛ فإنه لا يقتصر على مواد التجارة والصناعة بل يتعداهما إلى الأدب والشعر والحرب والسلم والعادات ... فإذا أنا أفضت في وصف عكاظ وما فيها، فإن ذلك إفاضة في وصف سائر أسواق العرب أيضا، فليس فيهن سوق تساميها. وما جرى في عكاظ جرى قريب منه في بقية الأسواق مع مراعاة صغر هذه واقتصارها أحيانا على أهل ناحية واحدة، فليكن تاريخ عكاظ إذًا تاريخا لكل أسواق العرب، وتاريخا لكثير من عاداتهم الاجتماعية أيضا.
١ هذه الأخبار مبثوثة في بطون الأسفار, وقد لقيت في جمعها وتبويبها من المصابرة والعناء نصيبا غير يسير، فإنه ليس لدينا تفصيل جلي عن عكاظ مجموع في موطن واحد، وأوسع فصل عنها هو ما ذكره الألوسي -رحمه الله- في بلوغ الأرب، ويكاد يقتصر هذا الفصل على ذكر حروب عكاظ ونتف تتعلق بالمفاخرة وهو شيء لا ينقع غلة ولا يكاد يرسم الخطوط الأولى للصورة. ونحن نعلم أن الكلمة والكلمتين والثلاث، والسطر والسطرين ... مما يكون عرضا في خبر من الأخبار، قد يكون له من البلاء الحسن في الكشف عن الحقائق والدلالة على العادات، ما لا يكون للفصل المطول تقرؤه في موضوع واحد.