كان لا بد من أن تدخل أحوال العرب التجارية في طور جديد, فاهتمّ الإسلام بأمر تجارتها وشرع لهم فيها ما يحتاجون إليه، وطفح الحديث الشريف بأحكام البيع والشراء والاحتكار والديون والربا ... إلخ. وعني الخلفاء بعد الرسول عناية خاصة بالتجارة بعد أن هدأت مشاغل الفتوح أيام أبي بكر وعمر وعثمان، ولنلاحظ أن فترة الفتوح نفسها لم تكن لتخلو من الاتجار حتى من عمال الخليفة أنفسهم، وهذا خير ما يفسر لنا حرص القوم على حرفتهم، واشتد عمر على عماله فلم يقبل منهم الاشتغال بالتجارة أبدا, وصار يؤاخذ كل من فشا لهم غنى في قومهم فيدقق عليهم, فإن اعتذروا بتجارة تجروها فربحوا منها صادرهم ولم يلق لعذرهم بالا، وكأنه يقول لهم: بعثتكم عمالا ولم أبعثكم تجارا.
ومن حسن الاتفاق أن الخلفاء الثلاثة الأولين كانوا تجارا، فأبو بكر وعثمان كانا بزازين، وعمر تجر في الجاهلية واستغنى في غزة، وكان مبرطشا "يكتري للناس الإبل والحمير يأخذ عليها جُعْلا"١ أما علي فلم نعرف أنه تجر, وقد ظهر الإسلام وهو صبي, ومع هذا فقد