كان على علم من التجارة وأحوالها؛ لأنها مهنة قومه جميعا, ولما ولي الخلافة لم يكن يجهل خطر التجارة وقيمتها. ومن الطريف حقا أن ننقل بهذه المناسبة مرسوما أصدره إلى عامله الأشتر في التجار والصناع, فإنه يدل على إحاطته بأسرار التجار وأخلاقهم, ويعلمنا من جهة ثانية منزلة هذه الطبقة بين بقية الطبقات وما كان يعلق عليها من مهام، قال من كلام له للأشتر:
"ثم استوصِ بالتجار وذوي الصناعات وأوصِ بهم خيرا، المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه، فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق وجلابها من المباعد والمطارح، في برك وبحرك، وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترئون عليها. فإنهم سِلْم لا تخاف بائقته وصلح لا تخشى غائلته. وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك، واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا وشحا قبيحا واحتكارا للمنافع وتحكما في البياعات, وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منع منه. وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع, فمن قارف