للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حُكْرَة بعد نهيك إياه فنكِّلْ به, وعاقبه من غير إسراف"١.

ولنا أن نستأنس بشيء آخر له خطره في الدلالة على ما شغلت التجارة من حياة العرب وأفكارهم واهتمامهم، وذلك هو اللغة والأشعار والأمثال, فإنها تكشف لنا إلى حد بعيد ما كان عليه القوم من عادات وأحوال. وأول ما نلاحظ في هذا الباب غنى اللغة بالألفاظ التي تتعلق بالأسفار وما إليها من حط وترحال ونزول على الماء ووصف لدواب السفر وضروب سيرها, ولسنا مبالغين إذا قلنا: إن أكثر القصائد في الجاهلية والإسلام يفتتحها صاحبها بذكر رحلته وما لاقى فيها هو وراحلته من التعب والشقاء والضيق والعطش والجوع، عدا ما هناك من ألفاظ كثيرة تتعلق بالبيع والشراء والصفقة الرابحة والخاسرة. ولما كانت الخلافة، لم يجد العرب لفظا يدلون به على بذل الطاعة للخليفة غير المبايعة٢, فاشتقوا لهذه الحال المستجدة


١ شرح نهج البلاغة, لابن أبي الحديد ج٤ ص١٣٩.
٢ اتباعا للقرآن الكريم, حين عبر بهذه الكلمة التجارية عن معاهدة الصحابة رسول الله يوم الحديبية على الثبات, وعدم الفرار بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ... } [الفتح: ١٠] , وسميت البيعة بيعة الرضوان, وهناك أيضا بيعة النساء": {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ... } [الممتحنة: ١٢] .

<<  <   >  >>