٢ ومع هذا, فقد كان العرب وتجارهم خاصة نقلة ثقافة تاريخية سياسية، جاء في طبقات الأمم لصاعد "ص٦٩": قال أبو محمد الهمداني: ليس يوصل إلى خبر من أخبار العجم والعرب إلا بالعرب ومنهم، وذلك أن من سكن بمكة من العمالق وجرهم وآل السميدع بن هونة وخزاعة أحاطوا بعلم العرب العاربة والفراعين العاتية وأخبار أهل الكتاب. وكانوا يدخلون البلاد للتجارة فيعرفون أخبار الناس، وكذلك من سكن الحيرة وجاوروا الأعاجم من عهد أسعد أبي كرب وبختنصر حووا على الأعاجم وأخبارهم وأيام حمير ومسيرها في البلاد، وعنهم صار أكثر ما رواه عبيد بن شرية ومحمد بن السائب الكلبي والهيثم بن عدي، وكذلك من وقع بالشام من مشايخ غسان خبيرٌ بأخبار الروم وبني إسرائيل واليونانيين، ومن وقع بالبحرين من تنوخ وإياد فعنه أتت أخبار طسم وجديس، ومن وقع من ولد نصر من الأزد بعمان فعنه أتى كثير من أخبار السند والهند وشيء من أخبار فارس, ومن وقع بجبلي طيء فعنه أتت أخبار آل أذينة والجرامقة، ومن سكن باليمن فإنه علم أخبار الأمم جميعا؛ لأنه كان في دار مملكة حمير وفي ظل الملوك السيارة إلى الشرق والغرب والجنوب والشمال. ولم يكن ملك منهم يغزو إلا عرف البلاد وأهلها" ا. هـ. وإذا تجاوزت عن جانب المبالغة في هذا الكلام, بقي لك أن العرب لم تقتصر فائدتهم في ترحالهم على الاتجار، بل كانوا يستفيدون من رقي أهل الحضارات المجاورة ويحملون عنهم آثارا من تقدمهم وثقافتهم.