للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُذَمِّر١ خيله ويركبهم بها, ويقول: "إنها قريش، ليُرْدِيَنّها جبنها والطيش" واقتتلوا على فم السكة. وأشرف أهل الدور -والموقعة بجوارهم, والمربد يومئذ سوق داخلة في البلد حولها البيوت- ممن كان له في واحد من الفريقين هوى، فرموا الآخرين بالحجارة. وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن, فوقفوا بها طويلا وثار إليهم الناس حتى حجز الليل بينهم"٢.

هذا حادث من حوادث كثيرة وقعت في المربد, واستمرت حتى انتهت حرب الجمل باندحار أصحاب عائشة. ذكرته ليقف القارئ على صورة من هذه المأساة الفادحة التي كانت وما بعدها سببا في فُرقة المسلمين وحدوث طوائف ونحل يلعن بعضها بعضا ويحمل بعضها على بعض، تتناكر وتتقاذف وترى كل منها أن غير المسلم أقرب إليها من أهل الطائفة الثانية. وكثيرا ما استعان بعضها على بعض بالأجنبي عدوهما معا، بل كثيرا ما عمل الدخيل على توسيع الشقة بينهما وقوّى بعضا على بعض وأمد الفريقين من وراء وراء، بالسلاح والمال ليفنيا جميعا.


١ التذمير: الحث والحض.
٢ ارجع في تفاصيل هذه الموقعة ومعرفة أسبابها ومسببها الحقيقيين إلى كتابي "عائشة والسياسة", مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر, سنة ١٩٤٧هـ.

<<  <   >  >>