للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلما أكثر الراعي من ذلك, قال جرير لرجال من قومه: "هلّا تعجبون لهذا الرجل الذي يقضي للفرزدق علي, وهو يهجو قومه وأنا أمدحهم".

"١"

ثم خرج جرير ذات يوم يمشي ولم يركب دابته لئلا يعلم به أحد، فتعرض للراعي يريد أن يلقاه من حيال حيث كان يمر إذا انصرف من مجلسه بالمربد. فمر الراعي على بغلته وابنه جندل يسير وراءه على مهر له أحوى، وإنسان يمشي معه يسأله عن بعض الأمر. فلما استقبل جرير الراعي قال له: "مرحبا بك يا أبا جندل" وضرب بشماله على معرفة بغلته، ثم قال: "يا أبا جندل, إنك شيخ مضر وشاعرها وقد بلغني أنك تفضل علي الفرزدق تفضيلا قبيحا وهو ابن عمي دونك، فإن كان لا بد من تفضيل فأنا أحق به لمدحي قومك وذكري إياهم. ويكفيك من ذاك إذا ذكرنا أن تقول: كلاهما شاعر كريم ولا تحتمل مني ولا منه لائمة". فبينا جرير كذلك أقبل ابن الراعي جندل، حتى ضرب عجز دابة جرير حتى كاد يقطع إصبع رجله, وقال لأبيه: "لا أراك واقفا على كلب من بني كليب كأنك تخشى منه شرا أو ترجو منه خيرا" وضرب البغلة ضربة, فرمحت جريرا رمحة وقعت منها قلنسوته، قال جرير: "فوالله لو عرّج علي الراعي لقلت: سفيه غوي "يعني جندلا ابنه" ولكن لا والله ما عاج، فأخذت قلنسوتي فمسحتها, تم أعدتها على رأسي".

فانصرف جرير غضبان حتى إذا صلى العشاء بمنزله في علية له قال: "ارفعوا لي باطية من نبيذ وأسرجوا لي" ففعلوا, فجعل يهمهم، فسمعت صوته عجوز في الدار، فاطلعت في الدرج حتى نظرت إليه, فإذا هو يحبو في الفراش عريانا، لما هو فيه، فانحدرت فقالت: "ضيفكم مجنون، رأيت منه كذا وكذا ... " فقالوا لها: "اذهبي لطيتك،

<<  <   >  >>