نحن أعلم به وبما يمارس.". فما زال كذلك حتى كان السحر، ثم إذا هو يكبّر, قد قالها ثمانين بيتا في نمير، فلما ختمها بقوله:
فغُض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
كبّر ثم قال: "أخزيته ورب الكعبة".
"٢"
ثم أصبح، حتى إذا عرف أن الناس قد جلسوا في مجالسهم بالمربد، وكان يعرف مجلسه ومجلس الفرزدق دعا بدهن فادهن، وكف رأسه، وكان حسن الشعر ثم قال: "يا غلام أسرج لي" فأسرج له حصانا, ثم قصد مجلسهم، حتى إذا كان موقع السلام قال: "يا غلام" ولم يسلم "قل لعُبَيْد: أبعثك نسوتك تكسبهن المال بالعراق؟ أما والذي نفس جرير بيده لترجعن إلى أهلك بمير يسوءهن ولا يسرهن، أما أنا فقد بعثني أهلي لأقعد على قارعة هذا المريد، فلا يسبهم أحد إلا سببته. وإن علي نذرا: إن جعلت في عيني غمضا حتى أخزيك". ثم اندفع جرير في قصيدته:
أقلي اللوم عاذل والعتابا ... وقولي إن أصبت لقد أصابا
فأنشدها فنكّس الفرزدق وراعي الإبل، وأزمّ القوم، حتى إذا بلغ قوله:
بها برص بجانب إسكتيها ...
وضع الفرزدق يده على فيه، وغطى عنفقته لئلا يفطن جرير فيخزيه في مجلسه ذاك، ففطن لها جرير فأتم البيت هكذا وكأن الفرزدق لقنه إياه: