للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} ولكن الثالثة إنما هي حمل على المال, فنحن نبطل دماءنا وندي قتلاكم، وإنما مسعود رجل من المسلمين، وقد أذهب الله أمر الجاهلية".

فاجتمع القوم على أن يقفوا أمر مسعود، ويغمد السيف، ويودى سائر القتلى من الأزد وربيعة. فتضمن ذلك الأحنف ودفع إياس بن قتادة المجاشعي رهينة حتى يؤدى هذا المال، فرضي به القوم.

فخر الفرزدق بهذا, وعرّض بقوم جرير فقال:

ومنا الذي أعطى يديه رهينة ... لغاريْ معد يوم ضرب الجماجم

عشية سال المربدان كلاهما ... عجاجة موت بالسيوف الصوارم

هنالك لو تبغي كليبا رأيتها ... أذل من القردان تحت المناسم١


١ الكامل للمبرد ١/ ٨١-٨٣. الغاران: القبيلتان العظيمتان, وأراد بالمربدين المربد وما حوله.
وتتمة الخبر طريفة حقا بما فيها من نبل ومروءة خالصين، يرويها بطل السلام نفسه الأحنف قال:
"فكثرت علي الديات فلم أجدها في حاضرة تميم، فخرجت نحو "يبرين" فسألت عن المقصود هناك فأرشدت إلى قبة، فإذا شيخ جالس بفنائها مؤتزر بشملة محتبٍ بحبل، فسلمت عليه وانتسبت له، فقال: "ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " فقلت: "توفي صلوات الله عليه" قال: "فما فعل عمر بن الخطاب الذي كان يحفظ العرب ويحوطها؟ " فقلت له: "مات رحمة الله تعالى" قال: "فأي خير في حاضرتكم بعدهما؟ " فذكرت له الديات التي لزمتنا للأزد وربيعة فقال لي: "أقم", فإذا راع قد أراح ألف بعير، فقال لي: "خذها", ثم أراح عليه آخر مثلها فقال: "خذها" فقلت: "لا أحتاج إليها".
فانصرفت بالألف عنه ووالله ما أدري من هو إلى الساعة!! ".

<<  <   >  >>