وكان المجتمعون من تميم وباديتها وحلفائها من الأساورة والزط والسبابجة وغيرهم زهاء سبعين ألفا، وفي ذلك يقول جرير:
سائل ذوي يمن ورهط محرق ... والأزد إذ ندبوا لنا مسعودا
فأتاهم سبعون ألف مدجج ... متسربلين يلامقا١ وحديدا
فلما توافقوا بعث إليهم الأحنف:
"يا معشر الأزد وربيعة من أهل البصرة, أنتم -والله- أحب إلينا من تميم الكوفة, وأنتم جيراننا في الدار ويدنا على العدو، وأنتم بدأتمونا بالأمس ووطئتم حريمنا وحرّقتم علينا فدفعنا عن أنفسنا، ولا حاجة لنا في الشر ما أصبنا في الخير مسلكا، فتيمموا بنا طريقة قاصدة".
فوجه إليه زياد بن عمرو:
"تخير خلة من ثلاث: إن شئت فانزل أنت وقومك على حكمنا, وإن شئت فخل لنا عن البصرة وارحل أنت وقومك إلى حيث شئتم، وإلا فدوا قتلانا واهدروا دماءكم، وليُودَ مسعود أخي دية المشعرة" أي: عشر ديات، كما يودى أبناء الملوك في الجاهلية.
فبعث إليه الأحنف:"سنختار فانصرفوا في يومكم".
فهز القوم راياتهم وانصرفوا. فلما كان الغد بعث إليهم:
"إنكم خيرتمونا خلالا ليس فيها خيار: إما النزول على حكمكم فكيف يكون والكلم يقطر دما؟! وإما ترك ديارنا فهو أخو القتل، قال الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ