لم تكن التفاؤلية التي عبرت عنها قصيدة " فجر السلام " وما جرى مجراها من القصائد قادرة على أن تنسي السياب أن عالمه الحقيقي يشبه الدروب والزوايا التي وصفها في حفار القبور، وان الظلمات النفسية تصبغه بعتمة كئيبة، وان العدمية التي كان ينادي بها الحفار الجائع الظامئ ذو الشهوات المتوفرة إنما كانت صدى لحقد الشاعر على " نسل العار "، وان فكرة الدفع واسترجاع المدفوع؟ بين الحفار والمومي التي ماتت - إنما كانت أمنية شاب لا يجد ما يسعفه على اكتساب بلغة من طعام؛ فقد كان في بقية عام ١٩٥٠؟ حين هبط بغداد دون عمل بعد أن فقد وظيفته في شركة نفط البصرة - متسكعا في الشوارع أو مترددا إلى المقاهي:" وأمسى ملازما لمقهى حسن العجمي يحيط به الشقاء والألم ولكنه يتحمله بصبر واباء، يعينه إخوانه الذين أتذكر منهم اكرم الوتري ومحبي الدين إسماعيل وخالد الشواف "(١) .
ولكن سعيه وسعي أصدقائه في تدبير عمل يحفظ له كرامته قد استطاع أن يخفف شيئا من تلك الضائقة التي كانت تعتصر نفسه،