نستطيع الآن أن نواجه طبيعة الاتجاه الشعري الذي عاشه السياب قبل ان ينتقل إلى دار المعلمين، فقد ألمحنا فيما مضى إلى بعض مظاهر ولكنا لم نجد معالمه الكبرى وخصائصه العامة. ولسنا بحاجة إلى أن نعيد الوقوف عند رثائه لجدته أو رثائه للشهداء الذين قاوموا الاستعمار الأنكليزي، ولكنا بحاجة إلى أن نكرر القول بأن الريف كان مجال هذا الشعر وموضوعه، ذلك لأن اتخاذ هذا المنطق يسهل علينا فهم التفريعات والدقائق التي قد تنجم عنه. وقد تحدد هذا الريف في خاطر بدر بأنه الطبيعة الجميلة الطاهرة الخيرة المعطاءة ولهذا تحدث عن ربيعه وخريفه، وصيفه وشتائه، محاولا أن يرسم لكل فصل من الفصول لوحة خاصة، ولم يكن همه في تلك اللوحات إلا إبراز قدرته على الرسم، فإذا استطاع ابتكار صورة جديدة أو وفق إلى تعليل حسن لصورة قديمة، أحس أنه مهمة الشاعر الكبرى، فهو يجهد الجهد كله ليقول شيئا لم يقله غيره في صورة قوس قزح من قصيدة الشتاء فيقول:
وكأنما قوس السحاب وقد بدا ... أوتار قيثار مضت تتنادم
فتقاربت حتى يعاود عزفها ... مرح الأنامل بالملاحن عالم وشبيه بهذا قوله في قصيدة الخريف يصف الأوراق الساقطة: