لعل القارئ ما يزال يذكر كيف أن السياب اكتشف العراق في قصيدته " أنشودة المطر "، ووجد التطابق الكامل بين ذاته ووطنه، ولكنه ما كاد يتلمس روعة هذا الكشف حتى نقلته صلته بمجلة الآداب إلى استكشاف التطابق بين ذاته وبين البلاد العربية في المشرق والمغرب، فأخذ يحس فنيا بحقيقة الثورة الجزائرية وانتقاض المغرب، وبأبعاد المشكلة الفلسطينية والصمود في بور سعيد، وهو إلى جانب ذلك كله مثال الفنان الذي يؤمن بان طاقته قادرة على أن تذلل كل عقبة في الموضوع الفني؟ مهما تتباعد أقطاره - وأنها كفاء بألوان جديدة من البناء، تجمع بين الإرادة الواعية للتخطيط وبين الإلهام الزاخر بالحيوية.
وربما سارع المرء إلى الظن بأن " أنشودة المطر " نفسها كانت فاتحة عهد جديد من الاتكاء على رمز تموز أو أدونيس، إذ القصيدة لا تعدو أن تكون في سياقها ترجمة لتلك الأسطورة دون تصريح برمز الخصب، ولكن الأمر لم يكن كذلك على وجه الدقة، لان اكثر الموضوعات التي عالجها في " فترة الآداب " لم تكن ترحب صدرا بالأسطورة؛ فالقصائد العربية لا تخضع لرمز تموز والقصائد الإنسانية كقصيدة " مرثية الآلهة " اضطرت السياب أن يسخر من الرموز؟ فكريا - بدلا من أن يتقبلها في