حتى هذا الحد كان السياب يرى القصيدة الطويلة بناء يعتمد على قطبين (كما في فجر الإسلام والأطفال) أو على الاسترسال مع التداعي (كالسوق القديم وحفار القبور والمومس العمياء) ؛ وكل قصيدة منها لا بد من ان تعتمد على مشرع تمهيدي يهيء الجو العام أو يطرح المشكلة ولو لم يخبرنا ان قصيدة " أنشودة المطر " كانت قصيدة طويلة لتصورنا فيها حين تنظر إلى اعتمادها على فاتحة مسترسلة؛ وكذلك جاءت قصيدة " غريب على الخليج "، وهما تمثلان وجهتين لقطعة عملة واحدة، فتؤكدان التقارب الزمني بينهما. إلا أن قصيدة " غريب على الخليج " ربما كانت اسبق في زمن لأنها لا تزال تحمل طبيعة المقدمة التي افتتحت بها قصيدة " المومس العمياء " كما تحمل إثارة من صور هذه القصيدة وبعض أفكارها.
وقد يوهم بناء كل من هاتين القصيدتين " غريب على الخليج " و " أنشودة المطر " أن الازدواجية لا تزال هي القاعدة التي ترتكز إليها كل منهما. فالأولى تمثل الإحساس بالغربة والشوق العارم للعودة إلى العراق ولكن عدم وجود النقود يقف حائلا دون هذه العودة، والثانية تصور العراق نفسه من خلال المنظر الماطر. والحقيقة ان الازدواج في القصيدتين قد يسمى ازدواج التطابق: فالعراق والنقود التي تمكن الغريب من العودة شيئا متطابقان؟ أو هما أيضاً وجها