ترى هل كان السياب يحس أن " أنشودة المطر " نقله مفاجئة في المبنى والمستوى؟ أكبر الظن ان غريزته الفنية أدركت ذلك إدراكاً مبهما ولهذا فإنه جعل رمزه الجديد المفضل ذلك التعاقب بين الخصب والجدب في اكثر قصائد هذه الفترة، ثم لعل تلك الغريزة هي التي حفزته إلى أن يتجاوز ذلك المستوى الذي بلغه في " أنشودة المطر " أو لا يقصر عنه؟ على الأقل - ولهذا حاول في كثير من قصائده أن يتفوق على نفسه، وان يطلع ببناء فني جديد. وكانت هذه الفترة احفل الفترات الشعرية بالتجديد في المبنى والموضوعات والصور والرموز، فإن لم تكن كذلك فإنها تتحدث عن محاولة مستمرة للتفرد في الطريقة وأدواتها ووسائلها.
وللينابيع الثقافية أثرها في هذا المستوى وفي طبيعته: فقد حشد السياب عددا كبيرا من الأساتذة يمتدون من دانتي حتى اليوت ومن أبي تمام إلى الجواهري، عندما سئل عمن بهم أو عمن أثروا فيه؛ ولكن الحقيقة كانت اقل من ذلك كثيرا، فقد ظل داتني والمتنبي وشكسبير أسماء تذكر في معرض المباهاة الثقافية، كما توارت صورة اليوت ومن قبلها صورة كيتس، ولم تبق من علي محمود طه إلا أصداء باهتة ذابت قبيل أنشودة المطر؟ فيما أحسب - وآخر ما يمثلها قصيدة