لقصيدتي " غريب على الخليج " و " أنشودة المطر " دلالة أخرى سوى دلالتهما على المرحلة الفنية التي كان الشاعر قد بلغها، فقد صورتا إحساسه الذاتي بغربة قاسية فريدة، وعذابه الأليم في تلك التجربة الكويتية الايرانية، وحين أخذ يتأمل في طبيعة تلك الغربة وذلك العذاب ازداد إحساسه بالعراق؟ عراق الطفولة وعراق البؤس والجوع، واقترن الاثنان في نفسه اقترانا شعوريا وفنيا لم يتحقق من قبل على هذا النحو. لم يقفز إحساسه حينئذ إلى رؤية البؤس الانساني؛ لم يفكر في أطفال الزنوج أو في عمال مرسيليا، أو في الكادحين في كل مكان من الكرة الأرضية؛ ذابت تلك الخفقة التي عبرت عنها قصيدة " الأسلحة " والأطفال " ليحل محلها شعور مستبد طاغ بالطبيعة العراقية والذكريات العراقية ومطر العراق وعمال العراق وفلاحي العراق وجوع العراق؟ وكبرت صورة العراق في نفسه حتى طردت كل صورة أخرى، أي كبر الاحساس بالوطن وبالرابطة الوطنية القومية، دون سواها من الروابط الأخرى، وكانت قصيدة " المومس العمياء " مقدمة طبيعية لهاتين القصيدتين، لأنها جعلت تلك المرأة عربية عراقية مستباحة الجسم والنفس؛ وكانت التجربة المريرة مع حزب توده هي النافذة التي انفتحت لاستقبال ريح تلك الاحاسيس؛ انه؟ حسب تجربة السياب - حزب