لنعد إلى " مرثية الآلهة " التي تحدث فيها عن أن الإنسان منذ القديم كان يعبد ما يخافه ويرجوه وانه هو الذي كان يؤله الأشياء ويعطيها أسماء مثل " تموز " و " اللات " و " زفس "، وأن هذه الأسماء تدل على الإنسان لا على حقيقة كبيرة غيبية، وأن هذا أمر لم يتغير حتى اليوم:
ويا عهد كنا كابن حلاج واحدا ... مع الله، أن ضاع الورى فهو ضائع أي ليس هناك من خط فاصل بين الألوهية والانسانية، فوحدة الوجود التي آمن بها تعني بها الحلاج تعني أن مقتل الحلاج يترتب عليه فقدان الطرف الثاني من تلك الوحدة؟ فمثل هذه الفكرة قد بعث في قصائد هذه الفترة نغمة لم نكن نسمعها من قبل أبداً في شعره؛ أعني ذلك الاستخفاف الصريح بفكرة التأليه وعدم التورع عن استعمال لغة جريئة لا تدل على أثر قوي لروح التدين في نفس الشاعر. وقد يبدو من المستغرب؟ أول الأمر - أن تعلو هذه النغمة في قصائده التي تتحدث عن النضال العربي أو عن الأوضاع العربية عامة، ولكن هذه الحقيقة نفسها تؤكد أن هذه الظاهرة في تلك القصائد إنما كانت ذات دلالة عكسية، أعني أنها على الألم الدفين لاندحار الإنسان وما يؤمن به