للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

" دعيني فما تلك بالقبرة ... دعيني أقل انه البلبل ... وان الذي لاح ليس الصباح " (١) ... ويتصور أرغوان أنه سيصرخ طالبا العودة إلى حبه كأنه شاحذ سكاكين ينادي في الصباح الباكر " سكاكين..سكاكين " ويستعير السياب هذا النداء ويحوله إلى نداء اخر - نداء امرىء يلم ما لدى الناس من أدوات معدنية عتيقة ليقدمها مادة لصناع الاسلحة، كي يصنعوا منها القتل والدمار، وهو في ندائه يصيح: " حديد عتيق..رصاص..حديد ". ويتحول الصراع بين الحب والحرب في قصيدة أراغون إلى الصراع بين حياة السلم جملة الخروب، وبذلك يتسع المجال أمام السياب ليكبر الصورة، ويتفنن في جزئياتها المفردة فالمنظر العام في القصيدة قروي الطابع يبدو فيه الأطفال رمزا للبراءة المطلقة في لعبهم ولهوهم، ويستعير فيه الشاعر صورة من طفولته، وهو يلقط المجار على ضفة النهر فيتصور أن أقدام الأطفال الأبرياء " محار يصلصل في ساقية " ويرسم حور طافحا بالنعومة حين يتصور أن أكفهم المصفقة " كخفق الفراشات مر النهار عليه بفانوسه الأزرق ". ثم يرسم من خلال الجو الذي يضفيه الأطفال على الحياة صورة للوداعة والسعادة والطمأنينة: فالأب ينسى التعب حين يعود فيتلقاه طفله " يكركر بالضحكة الصافية " والعجائز يجمعن من حولهن أولئك " الورود " - في الشتاء - لهم حكايات جميلة، ويتخيلن حين يرونهم أنهن عدن إلى عهد الطفولة الجميل؛ فإذا طلع الصباح نهض الأطفال يخفقون بخطاهم الصغيرة على السلالم ويدغدغون وجوه أهلهم النائمين، أو يرافقون أمهاتهم إلى الموقد لا ذكاء النار فيه؟.


(١) الأسلحة والأطفال: ٥.

<<  <   >  >>