للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثمنا لملء يديك زيتا من منابعه الغزيرة ... كي يثمر المصباح بالنور الذي لا تبصرين (١) ... ولكن اعمق نقد في القصيدة هم ذلك الذي يعالج العلاقة بين الحرفة والحياة: فالمرء يكدح للحياة في خدمة إقطاعي مثلا ولكنه يخون الحياة من حيث لا يدري، لأنه يعين الظلم عل الاستمرار ويفتح الباب لعبودية عشرات آخرين مثله، وكذلك البغي فان الطبيعة هيأتها لتكون أما، ولكنها تضاجع الرجال لتأكل لا لتبقي على استمرار النسل، بل تتعمد ان لا تثمر تلك المضاجعة فتقطع بذلك حبل الحياة، وتضفر حبلا سواه، فتشنق في النهاية بالحبل الذي تضفره.

ذلك هو لباب القصيدة، وهو يمنحها قوة موضوعية وفكرية؛ أما الأهداب فهي العلائق التجميلية والتخيلات الفنية ومنها: اعتماد الرموز والأساطير، فهذه أول قصيدة يتكئ فيها السياب على الأساطير اليونانية وغيرها بشدة، وكان من قبل لا يشتشير سوى قصة قابيل، اما الآن فهو يجمع إلى تلك القصة صورة ميدوزا وأوديب وافروديت وفارست وابولو، ولكن هذه الأساطير تدخل في قصيدته مدخل الإشارات التاريخية، والأسطورة الوحيدة التي تحتل موضعا راسخا في قصيدته هي التي تحدث فيها عن يأجوج ومأجوج والسور:

سور كهذا حدثوها عنه في قصص الطفولة ... يأجوج يغرز فيه من حنق أظافره الطويلة ... ويعض جندله الأصم، وكف مأجوج الثقيلة ... تهوي كأعنف ما تكون على جلامده الضخام ... والسور باق لا يكل، وسوف يبقى ألف عام ... لكن: إن شاء الإله ...


(١) المومس العمياء: ٢٥ - ٢٦.

<<  <   >  >>