للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هنالك في القصيدة اذن صورتان متعاقبتان: الليل؟ الرحم وما يضم من كهوف، والنار الملتهبة التي تلاحق أطراف هذا الليل كأنها الخيول، وهي النار الخادعة التي كانت تضيء للقابعين في كهف أفلاطون. بل هي اشد من ذلك لأنها التهمت جدار النور - طمست مثال الخير الأسمى المتمثل في نور الشمس) ؛ وإذا كان في القصيدة من اضطراب فإنما مرده إلى عدم التزام الشاعر بتدرج طبيعي وإلى تردده بين حال اللاجئين وتاريخ لجوئهم؛ وقد كانت القصيدة تصويرا من خلال الكهوف مع شيء من التفجع على مصير اللاجئين.

وقد استغل السياب الطريقة السابقة في القصيدة الثالثة وهي " رسالة من مقبرة " وفيها يمجد ثورة الجزائر، فعاد يتصور نفسه في داخل الكهف (القبر) وهو يصيح، رامزا بذلك لإنسان المشرق العربي الذي تغير كل شيء في حاضره حتى صح أن يسمى عالمه قبرا، فالنور فيه دجى، والشمس كرة جامدة، والدود ينخر تلك الكرة، والناس في هذا الكهف أما جائعون: يطبون من صاحب ذلك القبر " رطلا من لحمه الحي "، وأما أشقياء: يريدون ضياء من مقلتيه، وأما جواسيس: يحذرونه من الصعود إلى الجلجلة ومن صخرة سيزيف. ولكنه رغم كل ذلك لا يزال يسمع أصواتا مدوية من خارج الكهف تجيء من عالم الشمس وتتحدر إليه أصداؤها الملونة وتنسكب في فوهة القبر، فيتفاءل باقتراب مخاص " الرحم " الارضي، لا بد ان يأتي القبور مخاض نقذف فيه موتاها، وتبهثها حية من جديد؛ ان سيزيف " وهران " قد ثار وخرج إلى الشمس، ولكن ها هنا " وهران " أخرى (في المشرق) :

آه لوهران التي لا تثور ... وتبدو هنا محافظة السياب على رمزي الكهف والشمس وعلى

<<  <   >  >>