للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما كادت الموجة الشيوعية تصل إلى قرار تركد عنده حتى هب السياب يكتب مقالات بعنوان " كنت شيوعيا " وبضمنها أقسى أنواع الهجوم على الشيوعيين، لا يبقي ولا يذر كأنه حاطب ليل، ولذا أصاب رشاش قلمه كثيرا من الناس فيهم البعيد والقريب، واضطر مصطفى أخوه أن يعلن تبرؤه من هذا الموقف، حتى تحولت العلاقة بين الأخوين إلى مهاترات علنية، ومن يقرأ هجوم بدر على أخيه مصطفى (١) يتضح له ان بدرا في حدة انفعاله كان ينسى كل الروابط الوثيقة في سبيل أن يفرغ غيظه المحموم، وتلك هي حاله في كثير من التهم التي ساقها؟ صحت أو لم تصح - فأنها كانت محاولة عامدة للتشويه، ألح فيها على تهم الجنس والشذوذ الجنسي بشكل خاص، كأنما كانت غايته هي نشر الفضائح. وقد تجد في هذه المقالات بعض ما يفيد في إلقاء ضوء على سيرة بدر، ولكن مجمل الرأي فيهما أن السياب حاول تهشيم شيء كبير بأسلحة كليلة، لأنها أسلحة غير علمية، وكانت تنقصه اللباقة في النقد فلذلك سمح لغضبه ان يجتاح كل الحدود، فأدان نفسه قبل ان يدين الآخرين، كما كان يعوزه المنهج الدقيق الذي يضع فيه مذكراته، ولذلك جاءت أشبه بفصول محشودة دون نظام أو ترتيب، وكان بعض هذه الفصول لملء الفراغ في الصحيفة، إذ ما علاقة امرء يسجل تجربته مع الحزب الشيوعي بعرض رواية جورج أورويل " عام ١٩٨٤ " في غير مقالة واحدة؟ ان هذا الموقف قد أصاب السياب نفسه، فقد اضطره ان يقول في رواية أورويل أنها رواية " رائعة "، كما اضطر إلى ان يورد بعض نماذج من شعر سيمونوف الشاعر السوفيتي، ليزيف شعره جملة (٢) . وهكذا حكمت السذاجة الغاضبة على بدر ان يتناول كل أدب غير شيوعي في نطاق " رائع "


(١) انظر عدد الحرية: ١٤٤٩.
(٢) الحرية، العدد: ١٤٥٨.

<<  <   >  >>