للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المفاخرة بين مصور وشاعر (٢) قرية كثيرة الرخاء شديدة الرحمة والعطف على غيرها من القرى اندلعت فيها ألسنة النيران؟ الخ، اختار بدر الموضوع الأول ليؤكد تفوق الشعر على الرسم بحجج إلزامية أو خطابية تمثل مستوى تفكيره في ذلك الدور من حياته. ثم كتب في موضوع " ضال في غابة جنه الليل وقد امتزج دوي الريح بصوت الآساد؟ " وبهذا الموضوع وجد الباب مفتوحا للحديث عن الموت مع أنه تجنبه في موضوع القرية التي التهمتها النيران، " اولئك الناس الذين ضلوا مثلي ثم تلاشوا أمام ظلمات الليل بعد أن أطلقوا صرخات الرعب التي لا تزال تطرق الغابة كلما جن الليل.. إنني اسمع حشرجتهم وأرى خلال الأغصان جماجمهم الصفراء تطل علي بمحاجر كأنها قبور مظلمة، وكأنني اسمع نداء خفيا من أولئك الأموات، انهم يقولون: إنني ضيفهم الليلة، يا للهول! " فلما طلب إليه أن يكتب " عن طبيب ذاع صيته ونبه ذكره أصيب بداء عياء حار فيه الأطباء "، تقمص في بعض أجزاء الموضوع شخصية الطبيب واخذ يتحدث عن نفسه قائلا: " كم أتحسر على تلك القرية النائية الجميلة بحقولها الخضراء التي تتسابق فيها الجداول التي وصلت بين ضفافها جسور من جذوع النخيل، هذه الجسور تشبه قلبي، قلبي الذي تغير عليه حوادث الزمان ونوائبه، وهو معروض على ينبوع الحب ولكنه يرى المياه ولا يشربها؛ أني لأذكر الراعيات الريفيات الجميلات، أن نهودهن تسبق أجسادهن ولكن ألحانهن الوديعة العذبة تسبق الجميع، كم مرة حدوت أغنامهن لألحان مزماري ولكن قلوبهن لا تحركها أنغامي، وأذكر تلك الريفية الحسناء الراعية التي أحبها القلب مرة.. الخ " (١) ؛ ومثل هذا التقمص للضال الذي يترصده الموت وللطبيب الذي كتب عليه بدر أن يموت بالعدوى من الحبيبة اصبح أمراً سهلا على بدر لآن فكرة


(١) كتب بتاريخ ٢٤/٣/١٩٤٣.

<<  <   >  >>