للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ساطعة تفسيرية، وتلك عودة إلى عهد " حفار القبور " و " المومس العمياء "؛ وهذا المبنى اقرب إلى طبيعة السياب إلا أنه من الناحية الفنية أشد صلة بالتقرير أو الإقناع الذهني. ومع ذلك فأننا نميز هذه القصيدة بالحرص على المبنى الفني المحكم إذا نحن قارناها بأكثر قصائد هذه الفترة.

وبين " المعبد الغريق " و " إرم ذات العماد " مشابه شكلية؛ إذ يفتتح الحديث في كل منهما قاص، فالأول كان يهمس جاحظ العينين وهو يعب الخمر عما حدث في البحيرة من هوي للمعبد تحت سطح الماء، والثاني كان يشرب الشاي ويدخن سيكارة وهو يقص قصة " إرم " التي اختفت عن عيون الناس فهي تطوف الأرض فلا تراها إلا عين امرئ سعيد مرة كل أربعين سنة، ويشرك المعبد وإرم في الاختفاء عن الانتظار ولكن كلا منهما يمثل رمزا مستقلا، فالمعبد يمثل السعي نحو المستقبل، نحو الكنز المخبا، وإرم حلم الماضي (١) .

حلم صباي ضاع؟. آه ضاع حين تم ... وعمري انقضى. ... وليس في بناء قصيدة " ارم " جهد كالذي بذله الشاعر في القصيدة السابقة، لأنه هنا اكتفى بقصة قصيرة ومنح للقصيدة شكلها البسيط، ولكنه اعتمد على بعض ضروب الربط والاستنكار، ففي خلال القصة ربط بين بحثه عن اللؤلؤة الفريدة وبين " نجمته البعيدة " وتذكر قصة عنتر وعبلة، وفي سيره حول سور ارم تذكر السندباد وطوافه حول بيضة الرخ، وفي وقفته في الظلام رأى نفسه مثل ناسك لا يقبله الاله في حماه وهو يدعو مسترحما؛ وبقوة هذه الانتقالات التي لم تتحول إلى استطرادات، تعمقت الأسطورة وازدادت خصبا، وتعمقت إيحاءاتها في نفس القارىء؛ ولكن السياب لا يستطيع ان يترك مشكلة يطرحها


(١) الشناشيل: ١٨.

<<  <   >  >>