للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوحيدة التي تستحق ان تعاش، ولذلك كان يرى صلته بالحاضر نوعا من الكذب والتصنع، فيحتاجه إحساس شامل بالتعب (١) :

تعبت من تصنع الحياة ... أعيش بالامس، وادعو أمسي الغدا ... كأنني ممثل من عالم الردى ... ؟..

تعبت " كالطفل " إذا أتعبه بكاه. ... ولهذا كانت أقوى صور الماضي يقظة في نفسه هي صورة الأم، وكان للمرض أثر كبير في مضاعفة الرابطة وتضخيم الحاجة إليها؛ واتخذ بدر للعودة إلى الام طريقين: إيحائية وعامدة؛ فمن الأساليب التي اتبعها في الطريقة الإيحائية ان جعل أما تفتش في لوعة عن ابنتها التي اختطفها الموت في قصيدة " الأم والطفلة الضائعة " (٢) ، وذلك عكس للواقع الذي كان يعانيه، وزيادة في إحساسه بأنه هو الميت على التحقيق وان أمه هي التي تبحث عنه. ومن العبارات الدالة في هذه القصيدة قوله: " مضت عشر سنوات "، فان هذا المقدار من السنوات هو الذي يفصله عن وفيقة: (٣)

عشر سنين سرتها إليك، يا ضجيعة تنام ... ذلك ان الحديث عن وفيقة إنما كان أيضاً حديثا عن أمه بطريقة ايحائية، فوفيقة تجمع في طبيعة حياتها وموتها بين بدر وامه، فهي فتاة من عائلته (وفيقة بنت صالح بن محمد بن السياب) ماتت أمها وتركتها يتيمة، كما حدث لبدر، ثم توفيت في حال وضع وتركت طفلا يتيما. فهي في


(١) المعبد الغريق: ٣٦ - ٣٧.
(٢) المعبد الغريق: ٥٩.
(٣) المعبد الغريق: ٧٣.

<<  <   >  >>