للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تلوذ بكل سفح، نام فيها دون أثداء ... ولا قمط، صغار من حصاد الجوع والداء ... لقد رضعوا من الثدي الذي لم تبله الأجيال ... وناموا في حمى الأم التي لا يستوي الأطفال ... ولا الأشياء إلا في حماها، في حمى ترب وظلماء ... وحين سئل السياب ذات مرة " ما هو أحسن ما تعتز به من شعرك " قرأ على مسامع سائله هذه الأبيات نفسها (١) وسر ذلك أن السؤال وجه إليه وهو يقترب من الموت ومن حمى الأم العظمى، وأن الأبيات تعبر عن رغبة الطفل المستقر في نفسه في موت مريح، فللأطفال في شعره مكانه لا تزاحم، ومن أجل هؤلاء الأطفال كان يتصور أنه ثار مع الثائرين على الظلم والاستعباد، ومن أجلهم انضم إلى الحزب الشيوعي حتى أنكر على نفسه أن يسخر شعره لحديث الحب وجمال الطبيعة بينما الأطفال جائعون (٢) :

كيف يجوع آلاف من الطفال ملتفه ... بآلاف الخروق تعربد الريح الشتائية ... بها، وأظل أحلم بالهوى والشط والقمر؟! ... من هنا بدأت رسالته الإنسانية، وحين تذكر " مقابر الأطفال " كان ما يزال يتشبث بخيوط واهية تبقت من تلك الرسالة، لأن الكفاح في سبيل أولئك الأطفال لم يعد يقدر عليه رجل كسيح. ولكن من يقرأ شعر السياب سيلحظ فيه ذلك الحب العنيف لكل مظاهر الطفولة، وهو حب لم يتغير لحظة ولا اعتراه أي وهن.


(١) انظر صحيفة العلم المغربية (جمادى الأولى ١٣٨٦، ٢ سبتمبر ١٩٦٦ العدد ٥٩٥٨) .
(٢) الشناشيل: ٤١.

<<  <   >  >>