للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وما كاد يؤدي الامتحان النهائي حتى هرب من بغداد خفية دون أن يعلم بسفره أحد من اصدقائه، وهو يسمي هذه العودة المفاجئة " تلك المغادرة الشاذة " ويضيف مخاطبا صديقه خالدا: " ولكن الشاعر يقدر ظروف الشاعر فيعذره، ومع هذا فقد اصبح من الصعب علي أن انفي عن نفسي تهمة الشذوذ؟ لا سيما في الحب " (١) .

وحسب بدر انه هرب من بغداد أفلت من تلك الأغلال التي قيدته بها: أغلال الكتب وأغلال العواطف، ولكنه كان حليف كتاب، وما كانت ثورته لتنصب إلا على الكتب المقررة، وأما أغلال العواطف فانه هو الذي كان يلفها حول وجوده مختارا راضيا، ولذلك تبعته بغداد إلى الريف، وخالطت " الوحدة والنخيل والجداول والمد والجزر وليالي القمر والشط الجميل الساجي " (٢) : فكان إذا تنسم عبير الأزهار البرية؟ بل إذا قرأ قصيدة زهرية - تذكر " عرف الاقحوانة " (٣) ، وذات يوم كان يقلب جريدة " الزمان " فإذا به يقرأ: " تنعى بمزيد الأسف الآنسة (؟.) كريمة الدكتور (؟.) " انه اسم " الاقحوانة " واسم أبيها؛ هل من المعقول؟ " انا الآن في هم وقلق شديدين.. انا حائر.. لو عرف عنوان ابيها لسألت عن هذه العذراء التي أوحت إلي قصيدة " ديوان شعر " وقصيدتي " الاقحوانة " و " الوردة المنثورة؟ " (٤) ولا ريب في انه عرف من بعد أن ذلك كان محض توافق بين اسمين، ولكنه لم يعرف انها؟ مد الله في عمرها - عاشت لتقول في رثائه كلمة وفاء نبيلة.

ولا ريب في أن " ذات المنديل الأحمر " قد كانت تعيش في خياله،


(١) من رسالة إلى خالد صادرة من " أبو الخصيب " بتاريخ ١١/٧/١٩٤٤.
(٢) الرسالة السابقة.
(٣) الرسالة السابقة.
(٤) من رسالة إلى خالد ٢٦/٧/١٩٤٤.

<<  <   >  >>