وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بلغه الأمر سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وهما سيد الأوس والخزرج، وخوات بن جبير أخا بني عمرو بن عوف، وعبد الله بن رواحة أخا بني الحارث بن الخزرج، ليعرفوا الأمر، فلما بلغوا بني قريظة وجدوهم مكاشفين بالغدر، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشاتمهم سعد بن معاذ، وانصرفوا.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرهم إن وجدوا غدر بني قريظة حقاً أن يعرضوا له الخبر ولا يصرحوا، فأتوا فقالوا: عضل والقارة؛ تذكيراً بغدر القارة بأصحاب الرجيع. فعظم الأمر، وأحيط بالمسلمين من كل جهة؛ واستأذن بعض بني حارثة فقالوا: يا رسول الله، إن بيوتنا عورة وخارجة عن المدينة، فأذن لنا نرجع إلى ديارنا. وهم أيضاً بالفشل بنو سلمة، ثم ثبت الله كلتا الطائفتين، ورحم القبيلتين؛ وبقى المشركون محاصرين للمسلمين نحو شهر، ولم يكن بينهم حرب، إلى أن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن بن حذيفة، والحارث بن عوف ابن أبي حارثة، رئيسي غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة، وجرت المراوضة في ذلك (١) ، ولم يتم الأمر، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فقالا: يا رسول الله، أشيء أمرك الله به فلا بد لنا منه أم شيء تحبه فنصنعه أم شيء تصنعه لنا قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على
(١) المراوضة: المساومة والمجاذبة، والمراوضة في البيع: أن تواصف الرجل بالسلعة ليست عندك، ويسمى بيع المواصفة.