لسنا نبعد عن الحق حين نفترض أن ابن حزم، في كتابة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يرمي إلى وضع مختصر قريب المأخذ، سهل المتناول، في أيدي طلابه، كما فعل في كثير من رسائله التاريخية، مثل رسالة " نقط العروس "، ورسائله في رجال القراءات، والحديث، والفتوح، وتواريخ الخلفاء؛ وأنه كان في هذا المختصر يضع الأصول التي لا يستغني عن تذكيرها أو استظهارها كل من اشتغل بالسيرة النبوية من طلاب العلم.
قد تكون هذه الغاية التعليمية باعثاً أكيداً، يحدو وعالماً مثل ابن حزم إلى كتابة السيرة النبوية، ولكنها ليست كل ما هنالك من بواعث. ومن يعرف قيمة النقل والاستكثار من السنن في مذهب أهل الظاهر عامةً، وعند ابن حزم خاصة والسيرة جزء هام من هذا النقل يجد أن تناول ابن حزم للسيرة بالنظر الجديد، والتحديد والتقييد، إنما هو جزء من مذهبه. فالنقل أساس من أسس المذهب الظاهري، بل ميزة يعدها ابن حزم للملة الإسلامية على سائر الملل؛ وعن طريق النقص في النقل، وضعف الثقة في الناقلين، هاجم
(١) انظر ترجمة ابن حزم في: كتاب جذوة المقتبس للحميدي رقم: ٧٠٨، ومطمح الأنفس للفتح بن خاقان ص: ٥٥، والذخيرة ١: ١٤٠، والمغرب رقم: ٢٥٣، وتذكرة الحفاظ للذهبي ٣: ٣٤١، ولسان الميزان ٤: ١٩٨ - ٢٠٢، وانظر أيضاً ما كتبه الأستالذ سعيد الأفغاني في مقدمة كتابه " ابن حزم الأندلسي ورسالته في المفاضلة بين الصحابة " وكتاب Asin Palacios. عن ابن حزم.