للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثالث: بأن حرمة البعض كحرمة الكل، لا سيما إن كان ذلك البعض محل الحياة، فإذا ذهب بعضه لم تذهب حرمة ما بقي، ويجب أن يفعل فيما بقي من بدنه من الغسل، والصلاة، والدفن سنة الموتى (١).

قال القرطبي (٢): [جسد المؤمن ذو حرمة، فما سقط منه، وزال عنه، فحفظه من الحرمة قائم، فيحق عليه أن يدفنه، كما أنه لو مات دفن، فإذا مات بعضه فكذلك أيضا تقام حرمته بدفنه، كي لا يتفرق، ولا يقع في النار، أو في مزابل قذرة].

والراجح - والله أعلم - يكون على التفصيل التالي:

١ - إن كان العضو المبتور لميت قد صلي عليه، فإنه يغسّل، ويكفّن، ويدفن، ولا يصلى عليه مرة أخرى، إذ الصلاة عليه كله تجزئ عن الصلاة على بعضه.

٢ - إن كان العضو المقطوع لميت لم يصل عليه لفقده، أو تمزقه تمزقا لا يمكن جمعه، فإن العضو يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن (٣).

٣ - إن كان العضو المنفصل لميت لم يصل عليه، وكان بقية جسده موجودا، وضع مع بقية جسده، ليصلى على أجزائه جميعا صلاة واحدة.

٤ - إن كان العضو لحي، فإنه يكفن ثم يدفن، ولا يصلى عليه، لأنه يترتب على الصلاة على العضو المنفصل، الصلاة عليه مرتين.

وفي هذا المبحث يتضح حرمة المؤمن، وكرامته عند الله، وبيان شمولية أحكام الدين، وصلاحيتها لكل زمان ومكان، كما أنه يجب على الإنسان المحافظة العامة على نفسه عموما، وأعضائه على وجه الخصوص، وهو من الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها وصيانتها.


(١) ينظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي ٣/ ٧٦، وبداية المجتهد ١/ ٢٥٦، والأوسط في السنن والإجماع والاختلاف ٥/ ٤١٠.
(٢) تفسير القرطبي ٢/ ١٠٢.
(٣) قال ابن قدامة في المغني ٢/ ٤٠١: (فصل: فإن لم يوجد إلا بعض الميت، فالمذهب أنه يغسل، ويصلى عليه، وهو قول الشافعي، ونقل ابن منصور عن أحمد، أنه لا يصلى على الجوارح. قال الخلال: ولعله قول قديم لأبي عبد الله، والذي استقر عليه قول أبي عبد الله أنه يصلى على الأعضاء).

<<  <   >  >>