"ولقد كان بعض الفلاسفة الألمان يرى أن الاستمتاع بالفن رياضة نفسية هامة، وأنه من أقوى وسائل التهذيب ومن أحسن الذرائع إلى التوجيه العلمي والسمو الأخلاقي، وذلك لأن تأمل الجمال يطأ من غلواء الحس، ويجرده من الخشونة والجفوة, ويعلمنا كيف نرقب الأشياء رقابة تأملية هادئة دون أن تغلي نفوسنا حرارة الرغبات، وهذا مما يطلق النفس من أسر المطالب واللبانات ويجعلها قابلة لإدراك القيم السامية: قيم الحق والخير والجمال".
"والمتحضر المثقف لا يكتفي بمشاهدة الحقائق سواء في العالم المادي المتطور أو في عالم الوعي المحجب، ووفقًا لذلك نشأت من ناحية العلوم الطبيعية ومن ناحية أخرى نشأت مذاهب الأخلاق والسلوك والآراء الدينية ونظريات الفن والجمال, والباعث إليها جميعها تلك الضرورة الملحة التي ترغمنا على تفهم الحوادث ودراسة حركات الوعي، وقد روع الباحث كثرة مذاهب الفلاسفة في الفن والجمال، ويرى في عدم انتهائها إلى نتيجة حاسمة دليلًا على قلة جدواها، ولكن يندر أن يستعرض مفكر تلك الفلسفات ولا يقدر ما بها من خواطر مضيئة وأفكار لامعة، وقد لا يخلو من صواب قول ولتر باتر "قيمة فلسفة الفنون كانت في الغالب في الأفكار الموحية النافذة التي وردت خلالها عرضًا" وليست فلسفة الفن ساحة جميلة في أقطار مطروقة وبلاد مأهولة, وإنما هي أشبه برحلة استكشاف يرود فيها الباحثون مجاهل خفية وأقاليم غير معروفة، والتفكير الفلسفي لا يرمي من وراء ذلك إلى تحسين الفن وخلق مقاييس له وإقامة حواجز تحد من حريته، وإنما غرضه إجادة التفكير في الإنتاجات الفنية والوقوف على سر الإعجاب بها والإحساس بجمالها، وربما كانت هذه المحاولة النزيهة أنفس نتائجه وأشهى ثمراته، والذي يقبل على الفلسفة وفي حسبانه أنها ستقدم له المفتاح لكل مستغلق من الأمور وتلقنه كلمة السر التي يعلم بها جيئية مجهول، لا شك واقع تحت تأثير وهم باذخ سرعان ما تتجلى عنه غشاوته ويستفيق من تأثره عند مواجهتها ومعالجة مشكلاتها".
"وقد أصبحت مناطق العلوم بارزة المعالم، والفلسفة تتناول المسائل