للشيء يتركها كل علم وهذا يضفي على الفلسفة أهمية خاصة وينزلها منزلة سامية ويفرض عليها واجبًا خطيرًا، وهي تستمد أهميتها من مختلف العلوم, وتستورد منها الحقائق المقررة والمعلومات الممحصة لتستعين بها في أبنيتها الفكرية وتكوين نظرياتها، فهي إلى حد ما تعيش عالة على العلوم وإن كانت لها وظيفتها الشاقة المستقلة، وتاريخها أبعد أعراقًا في التقدم من تاريخ العلوم وإن لم يكن أقدم من تاريخ الفنون".
"واتجاه الفلسفة إلى معالجة المسائل الخاصة بطبيعة الجمال والفن كان باعثه في بعض الأوقات ارتباطها بمسائل ما وراء الطبيعة، وفي أوقات أخرى ما كان يلاحظ من تأثير الذوق الفني في حياة الفرد وتقدم الحضارة، وقد كثر الالتفات إليها منذ منتصف القرن الثامن عشر، وذلك أن بومجارتن أحد تلامذة الفيلسوف كريستان ولف لاحظ وجود ثغرة في نظام العلوم السائدة، فقد كانت جميع العلوم النظرية يتقدمها بحث ضاف عن استعمال العقل في ضروب المعرفة العلمية، وكان يطلق على هذا البحث اسم المنطق، ولكن إلى جانب هذه المعرفة السامية القائمة على الفهم والنظر فإن للإنسان ملكة أقل شأنًا وأنزل منزلة وهي الإدراك الحسي، وهذه الملكة هي التي تجتلب الحقائق اللازمة لفرع آخر من فروع العلوم وهي العلوم التي قوامها التجربة, فمن الواجب إذن محافظة على الإنسان الفلسفي أن تسبق البحث في هذه العلوم التجريبية فحص محكم دقيق لهذه الملكة، وحاول بومجارتن أن يتعهد هذا العلم ويكفله وينشئه أخًا صغيرًا للمنطق، وقد استرشد في ذلك بأراء الفيلسوف لينبتز؛ لأنه كان يرى أن الجمال هو كمال التصوير الحسي، كما أن الحق هو كمال التفكير النظري، على أن هذا العلم الذي أحاطه بومجارتن لم يقتصر على مسألة الإدراك الحسي بل أصبح شاملًا لنظرية الجمال والاستمتاع به".
وأهم ما يشغل الفلاسفة ويستغرق أكثر جهدهم في المسائل المتعلقة بالفنون هو البحث عن حقيقة الجمال سواء في الفن أو الطبيعة والاهتداء إلى تعريف له، والبحث عن الصلة بين الجمال الذي يطالعنا عند مشاهدة صور جميلة أو رؤية بناء أنيق البنيان أو منظر طبيعي فاتن والجمال الذي ندركه عنه سماعنا منظومة من الشعر الجيد أو قطعة من الموسيقى الشجية، وهل