للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحروب التي دارت بين المدن اليونانية, ولم تعرف مصر محاكم التفتيش أو ديوان التحقيق وما وقع في إسبانيا عقب خروج العرب من الأندلس، ولم يحدث في مصر ما حدث في محاكمة الليدي جان جراي في إنجلترا التي كان الدافع القوي على إعدامها كونها بروتستانتية حين كانت الملكة ماري التي حاكمتها كاثوليكية".

"لقد عرفت مصر حياة التدين ولكنها لم تعرف التعصب في الدين أو الضغينة بسببه، فسلم الدين فيها كما يقول الأستاذ العقاد في كتابه عن "سعد زغلول": "من لوثة العصبية العمياء وقسوة الهمجية الرعناء سلم تاريخ مصر كله من المذابح الطائفية إلا ما يتسلل إليها من طائفة غريبة أو نحلة دخيلة". وكم عانت مصر من المتسللين مثل "جورست" خلفه "كرومر وكتشنر" وكاتب استعماري مثل "جون بورنج" في القرن التاسع عشرن وشايعه "إدوارد وكين" في الستينات من القرن العشرين في كتابه "أقلية متوحدة" وإن لم يستطع أمثال هؤلاء أن ينكروا التماثل بين الأقباط والمسلمين حتى "كرومر" في كتابه "مصر الحديثة" لم يستطع الفكاك من هذه الحقيقة حيث يقول في الفصل السادس والثلاثين من كتابه، وأنا هنا أترجم حرفيا "القبطي من قمة رأسه إلى أخمص قدمه في السلوك واللغة والروح مسلم وإن لم يدر كيف فالقبطيات يتشبهن بالمسلمات، والأطفال تكيفوا عامة، وعادات الزواج والجنائز تشبه ما عند المسلمين".

"وقد لاحظ عبد الله النديم في "الأستاذ" -الجزء الرابع من السنة الأولى- أن الحروب الصليبية أو الثورة العرابية لم تشب إحداهما ما بين المسلمين والأقباط من صفاء أو ترابط, لقد كنا غداة الفتح نتبادل قناديل المساجد والكنائس في الاحتفالات الدينية في الجانبين. ونحن اليوم تجمعنا عادات واحدة وأعياد مشتركة مثل عيد الربيع ووفاء النيل وليلة النفطة وكلها أعياد مصرية قديمة صاحبتنا مع الزمن وصاحبناها إلى يومنا هذا؛ لأننا مصريون, مصريون قبل الأديان ومصريون بعد الأديان ومصريون إلى آخر الزمان١".


١ راجع: الأهرام في ٢٢/ ٦/ ١٩٨١.

<<  <   >  >>