جذريًا في عقلية القيادة السياسية الحديثة في مصر, وبتغيير هذه العقلية تغيرت ملامح وجه السياسة المصرية تغيرًا كاملًا".
"لقد عمل الشعب المصري كل ما يمكن عمله لإخراج قوات الاحتلال, وترجم الساسة إرادة الشعب في مفاوضات بدأت منذ ١٩٢٠ وتكررت هذه المفاوضات مرات ومرات إلى أن جاءت بمعاهدة ١٩٣٦ التي نص فيها على الجلاء بعد عشرين سنة من هذا التاريخ، لكن هذه السنوات العشرين لم تكن تخلو من أسباب صنعها الاستعمار للبقاء على وجوده, وهنا لا بد أن نذكر أن شعب مصر كان في مكافحة إرادة الاستعمار وحيدًا لا تمتد إليه يد العون من أحد لدرجة أننا حين ذهبنا إلى مجلس الأمن في ١٩٤٧ كي ينتصف لنا من الدولة المحتلة، أحالنا مجلس الأمن إلى مائدة التفاوض معها من جديد، وظلت هذه المفاوضات تتعثر إلى أن بلغت الغاية باتفاقية أكتوبر ١٩٥٤ وهي الاتفاقية الوحيدة التي نفذت فعلًا في يونيو ١٩٥٦ نتيجة للمتغيرات التي طرأت على السياسية المصرية وما كان لها من أثر في المحيط الدولي وصدى في السياسة البريطانية ذاتها.
"من هذا كله يتعين لنا مبلغ أهمية الثامن عشر من شهر يونيو ١٩٥٦ ولقد أرادت القوى المضادة أن تفقد مصر مزية هذا اليوم، فدبرت العدوان الثلاثي على مصر في آخر أكتوبر من نفس السنة، لكن التغيير الذي كان قد طرأ على الإرادة المصرية بدد هذا التدبير، ثم جاءت إسرائيل في يونيو ١٩٦٧ لتعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وكان التدبير المضاد هذه المرة أكثر إحكامًا حتى خيل للعالم أننا قد رجعنا إلى الوراء أجيالًا، لكن الإرادة المصرية الجديدة قد استردت قوتها في أكتوبر ١٩٧٣ فحولت الهزيمة إلى نصر، واستردت مصر مكانتها مضاعفة، وأصبحت ضلعًا من الأضلاع المرموقة في السياسة الدولية. فمن الناحية العسكرية أصبحت الخطط المصرية من الدروس العسكرية في العالم كله, ومن الناحية السياسية أصبح الأسلوب الذي استثمرنا به النصر مضرب الأمثال على الصعيد العالمي، وأصبح الذين يتكلمون الآن عن حلول المشاكل الدولية يحاولون أن يتمثلوا بما صنعته مصر على طريق السلام بعد نصر أكتوبر".