للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"أمامك زيد"١, وهما عند سيبويه خبر مقدم وزيد مبتدأ مؤخر. وتبعوه في أن الفعل الماضي يصح أن يأتي حالا بدون تقدم قد والواو عليه، وكان يستدل بالآية الكريمة: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} , ومثلها {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} ٢. ومما ذهبوا مذهبه فيه أن المرفوع بعد إن الشرطية وإذا في مثل {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} و {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} لا يعرب فاعلا لفعل محذوف كما ذهب سيبويه، وإنما يعرب مبتدأ٣. وجوزوا مثله توكيد النكرة إذا كانت محدودة مثل: صمت شهرا جميعه٤. وكان سيبويه يذهب إلى أن المصدر في مثل: أتيته ركضا, حال مؤولة بالمشتق أي: راكضا، وذهب الأخفش -وتبعه الكوفيون- إلى إعراب المصدر في مثل هذا الموضع مفعولا مطلقا، وكان يجعله معمولا لفعل مقدر من لفظه، وذلك الفعل هو الحال، فتقدير المثال الآنف: أتيته أركض ركضا٥. وكانوا يجوزون مثله ترك صرف ما ينصرف في ضرورة الشعر٦ وكذلك مد المقصور٧.

وهذه أطراف مما نجده منثورا في كتب النحو من متابعة الكوفيين والكسائي والفراء للأخفش في آرائه النحوية، فإذا قلنا: إنه يعد بحق الإمام الأول للمدرسة الكوفية لم نكن مبعدين ولا مغالين، وحتى ما اشتهرت به هذه المدرسة من قياسها على الشاذ أحيانا نجده واضحا في كثير من هذه الآراء التي أسلفناها. وأيضا ما اشتهر به جمهور هذه المدرسة من الاعتداد بالقراءات الشاذة على مقاييس سيبويه نجد أساسه عند الأخفش، فقد أخذ، كما مر بنا، بقراءة أبي جعفر: "ليُجْزَى قومًا بما كانوا يكسبون" مشتقا منها قاعدة جواز إقامة غير المفعول به مع وجوده نائب فاعل, مخالفا بذلك أستاذه٨. ومر بنا أن سيبويه لم يكن يجيز العطف على الضمير


١ الإنصاف لابن الأنباري "طبع أوروبا" المسألة رقم ٦, وأسرار العربية لنفس المؤلف "طبعة دمشق" ص٧١، ٢٩٥, والرضي على الكافية ١/ ٨٤.
٢ الإنصاف: المسألة رقم ٣٢, والهمع ١/ ٢٤٧.
٣ الخصائص لابن جني ١/ ١٠٥, والمغني ص٦٤٣.
٤ الهمع ٢/ ١٢٤.
٥ الهمع ١/ ٢٣٨.
٦ الإنصاف المسألة رقم ٧٠, والهمع ١/ ٣٧.
٧ الإنصاف ص٣١٦.
٨ الهمع ١/ ١٦٢, وابن يعيش ٣/ ٢٢.

<<  <   >  >>