هو الخليل١ بن أحمد الفراهيدي البصري، عربي من أزدعمان، ولد سنة مائة للهجرة، وتوفي سنة مائة وخمس وسبعين، ومنشؤه ومرباه وحياته في البصرة، وقد أخذ يختلف منذ نعومة أظفاره إلى حلقات المحدثين والفقهاء وعلماء اللغة والنحو، وأكبّ إكبابا على حلقات أستاذيه عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء، كما أكب على ما نُقل من علوم الشعوب المستعربة، وخاصة العلوم الرياضية، وكان صديقا لابن المقفع مواطنه، فقرأ كل ما ترجمه وخاصة منطق أرسططاليس، كما قرأ ما ترجمه غيره من علم الإيقاع الموسيقي عند اليونان، وحذق هذا العلم حذقا جعله يؤلف فيه كتابا كان الأصل الذي اعتمد عليه إسحاق الموصلي في تأليف كتابه الذي صنفه في النغم واللحون.
وكان عقل الخليل من العقول الخصبة النادرة، فهو لا يلم بعلم حتى يلتهمه التهاما، بل حتى يستوعبه ويتمثله وينفذ منه إلى ما يفتح به أبوابه الموصده، وحقا ما قاله ابن المقفع فيه من أن عقله كان أكثر من علمه، وهو عقل جعله يتصل بكل علم ويحوز لنفسه منه كل ما يبتغي من ثراء في التفكير ودقة في الاستنباط،
١ انظر في ترجمة الخليل أبا الطيب اللغوي ص٢٧, والزبيدي ص٤٣, والسيرافي ص٣٨, ونزهة الألباء ص٤٥, والأنساب للسمعاني الورقة ٤٢١, ومعجم الأدباء ١١/ ٧٢, ومقدمة تهذيب اللغة للأزهري, وابن خلكان في الخليل, وإنباه الرواة ١/ ٣٤١, وتهذيب الأسماء واللغات ١/ ١٧٧, وتهذيب التهذيب ٣/ ١٦٣, وطبقات القراء لابن الجزري ١/ ٢٧٥, وسرح العيون لابن نباتة "طبعة دار الفكر العربي" ص٢٦٨, ومرآة الجنان ١/ ٣٦٢, وشذرات الذهب ١/ ٢٧٥, وروضات الجنات ص٢٧٢, وبغية الوعاة ص٢٤٣.