للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤- السماع والتعليل والقياس:

يجري سيبويه في السماع على الأساس الذي وضعته مدرسته، كما رأينا عند ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر والخليل, وهو النقل عن القراء وعلماء اللغة الموثقين والعرب الذين يوثق بفصاحتهم، واستن بمدرسته في قلة الاستشهاد بالحديث النبوي؛ لأنه رُوي بالمعنى لا باللفظ، ودخل في روايته كثيرون من الأعاجم الذين لا يؤمنون على اللحن.

ويقول ابن الجزري: إنه أخذ القراءة عن أبي عمرو بن العلاء، ويظهر -إن صح ذلك- أنه لم يأخذها عنه مباشرة، إنما أخذها عن بعض تلاميذه، إذ نراه في الكتاب لا يذكر له مسألة إلا من طريق الرواية عن بعض هؤلاء التلاميذ, وخاصة يونس بن حبيب، مما يدل على أنه لم يلقه. ونظن ظنا أنه حمل قراءة الذكر الحكيم عن هارون١ بن موسى النحوي الذي يتردد ذكره في الكتاب مع بعض القراءات التي يرويها، وكذلك عن أستاذه الخليل وغيره من أئمة القراءات في البصرة لعصره مثل يعقوب بن إسحاق الحضرمي وهو أحد أئمة القراءات العشر. وكان سيبويه يقول: "القراءة لا تخالف لأنها السنة"؛ ولذلك قلما يذكر القراءة التي تخالف القياس, بل عادة لا يعرض لها، ومما وقف عنده الآية الكريمة: {كُنْ فَيَكُونُ} وكان ابن عامر يقرأ "يكونَ" بالنصب، وهو بذلك يخالف القياس؛ لأن المضارع لا ينصب بعد الفاء مع الأمر، على نحو ما يقرر ذلك سيبويه، إلا إذا كان جوابا له، ولم يرد الله في رأيه أنه يقول للشيء كن فيكون، وإنما أراد أنه يقول للشيء كن فحسب، ثم أخبر أنه يكون، ومعنى ذلك


١ انظر ترجمته في نزهة الألباء، ص٣٢, ومعجم الأدباء ١٩/ ٢٦٣, وإنباه الرواة ٣/ ٣٦١, وتاريخ بغداد ١٤/ ٣, وطبقات القراء ٢/ ٣٤٨, وبغية الوعاة ص٤٠٦.

<<  <   >  >>