هو أبو بكر محمد بن السري، كان من أحدث تلاميذ المبرد سنا مع ذكائه وحدّة ذهنه، وعكف على دروس أستاذه، متزودا بكل ما عنده من أزواد نحوية ولغوية. وعُني بجانب ذلك بدراسة المنطق والموسيقى، وتحول بعد موت المبرد إلى حلقات الزجاج يعبّ منها وينهل، ثم استقل عنه بحلقة كان يؤمّها كثيرون في مقدمتهم السيرافي، وأبو علي الفارسي وعليه قرأ كتاب سيبويه. وكان يُعنَى عناية واسعة بعلل النحو ومقاييسه، وفيهما صنّف كتاب الأصول الكبير، انتزعه من كتاب سيبويه وأضاف إليه إضافات بارعة، ويقال: إنه جعله تقاسيم على طريقة المناطقة. ولم يكتف فيه بآراء سيبويه، فقد ضم إليه كثيرا من آراء الأخفش الأوسط والكوفيين موازنا ومقارنا. وقال له أحد تلاميذه وهو يلقي بعض فصول هذا الكتاب: إنه أحسن من كتاب المقتضب للمبرد أستاذه، فبادره بقوله: لا تقل هذا؛ فإنما استفدنا ما استفدناه من صاحب المقتضب، وأنشد:
ولكن بكت قبلي فهاج لي البكا ... بكاها فقلت الفضل للمتقدِّم
وكان يحسن نظم الشعر وإنشاد المأثور منه في الأوقات والمواقف المناسبة، وكانت فيه دقة حس ورقة شعور، ويقال: إنه جاءه يوما بُني صغير له، فأظهر من العطف عليه ما جعل بعض جلسائه يسأله: أتحبه أيها الشيخ؟ فقال متمثلا:
أحبه حب الشحيح ماله ... قد كان ذاق الفقر ثم ناله
وله وراء كتاب الأصول مصنفات نحوية مختلفة, منها كتاب مجمل الأصول
١ انظر في ترجمة ابن السراج: السيرافي ص١٠٨, والزبيدي ص١٢٢, والفهرست ص٩٨, ونزهة الألباء ص٢٤٩, وتاريخ بغداد ٥/ ٣١٩, والأنساب الورقة ٢٠٥, ومعجم الأدباء ١٨/ ١٩٧, وإنباه الرواة ٣/ ١٤٥, وابن خلكان, وشذرات الذهب ٢/ ٢٧٣, واللباب ١/ ٥٤٧, ومرآة الجنان ٢/ ٢٧٠, وبغية الوعاة ص٤٤.